إسرائيل تستمر في قتل الأميركيين دون عقاب

فريق التحرير

قبل أربعة أيام من الغزو الأميركي للعراق في مارس/آذار 2003، سحقت جرافة إسرائيلية الفتاة راشيل كوري البالغة من العمر 23 عاماً حتى الموت، بينما كانت تحتج على هدم منازل الفلسطينيين في غزة. وكانت الجرافة مركبة أميركية بيعت لإسرائيل من خلال برنامج لوزارة الدفاع الأميركية.

وقد خلص تحقيق عسكري إسرائيلي زائف إلى أن وفاة راشيل كانت نتيجة لحادث، وبالتالي تم رفض القضية. وبعد أكثر من عقدين من الزمان، لا يزال والداها يسعيان إلى تحقيق العدالة.

خلال مقابلة أجريت معه مؤخرا، لم يتردد والد راشيل، كريج كوري، في الحديث عن “التحقيقات الذاتية” التي يجريها الجيش الإسرائيلي. وقال: “إسرائيل لا تجري تحقيقات، بل تقوم بعمليات تستر”.

في الأسبوع الماضي، وفي اتصال هاتفي مع ناشطين فلسطينيين بارزين، سعى والدا راشيل إلى مواساة والدي أيشينور إزجي إيجي البالغة من العمر 26 عامًا، وهي أمريكية أخرى قُتلت أثناء احتجاجها على المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في نابلس. أطلق قناص إسرائيلي النار عليها في رأسها.

والآن، هناك جهود تبذل للتغطية على مقتل آيشنور، كما حدث مع راشيل. ففي التاسع من سبتمبر/أيلول، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل الاعتراف بمقتل الناشطة الأميركية الشابة برصاص قناص إسرائيلي، في استمرار لإرث طويل من “الدفاع عن النفس” في الدفاع عن انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان وجرائم الحرب، حتى على حساب أرواح مواطنين أميركيين.

وفي اليوم التالي، حاول بيان عسكري إسرائيلي تبرئة الاحتلال من أي خطأ متعمد، رغم أنه اعترف بأكثر مما كانت باتيل مستعدة للاعتذار عنه. وقال الجيش: “من المرجح للغاية أنها أصيبت بشكل غير مباشر وغير مقصود بنيران (الجيش الإسرائيلي) التي لم تكن موجهة إليها، بل كانت موجهة إلى المحرض الرئيسي للشغب”.

وطالبت عائلتا كوري وإيجي بإجراء تحقيقات مستقلة من قبل وزارة الخارجية الأميركية بعد مقتل ابنتيهما. لكن هذه الدعوات لم تجد آذانا صاغية، حيث يزعم المسؤولون الأميركيون أن إسرائيل قادرة بطريقة أو بأخرى على تحمل المسؤولية الذاتية.

وقال بلينكن في حديثه عن مقتل آيشنور: “هذا أمر غير مقبول. يجب أن يتغير. وسنوضح ذلك لكبار أعضاء الحكومة الإسرائيلية”، متجنبًا بذلك الإجابة عن أسئلة حول إجراء تحقيق مستقل.

إن مقتل راشيل وآيشنور لم يكن عرضياً، تماماً كما لم يكن قتل أكثر من 41 ألف رجل وامرأة وطفل فلسطيني على مدار العام الماضي عرضياً. إنها جرائم قتل متعمدة ومدروسة، مدفوعة بنزع الصفة الإنسانية عنهم، والإفلات من العقاب، والرغبة في استغلال الاضطرابات لبناء مستوطنات غير قانونية سريعة الخطى. وراشيل وآيشنور ليستا الضحايا الأميركيين الوحيدين للإرهاب الإسرائيلي.

في عام 2022، قُتلت شيرين أبو عاقلة، وهي صحفية فلسطينية أمريكية، برصاص قناصة إسرائيليين في الضفة الغربية. وفي يناير/كانون الثاني من هذا العام، توفي عمر أسعد، وهو فلسطيني أمريكي يبلغ من العمر 80 عامًا، بعد احتجازه لساعات طويلة من قبل جنود إسرائيليين بالقرب من رام الله. وفي أبريل/نيسان، قتل الجيش الإسرائيلي عامل الإغاثة الأمريكي جاكوب فليكنجر مع ستة أشخاص آخرين، كانوا جزءًا من قافلة مطبخ وورلد سنترال.

في أغسطس/آب، أصيب مدرس من نيوجيرسي برصاصة في ساقه أثناء احتجاجه على النشاط الاستيطاني الإسرائيلي غير القانوني في الضفة الغربية. وقد ظل اسمه سرا حفاظا على سلامته. وقال لوسائل الإعلام زيتيو: “إن الأموال التي أدفعها في الضرائب كمدرس ربما مولت الرصاصة التي أطلقوها علي”.

بعد أيام من قيام الإسرائيليين بإطلاق النار على المعلم الأمريكي، وافق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على بيع معدات عسكرية إضافية لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار، بما في ذلك طائرات إف-15، وذخيرة دبابات بقيمة 774 مليون دولار، وذخيرة هاون متفجرة بقيمة 60 مليون دولار، ومركبات عسكرية بقيمة 583 مليون دولار.

في المؤتمر الصحفي الذي عقد في التاسع من سبتمبر/أيلول، وجه بريم ثاكر من شركة زيتيو سؤالا مباشرا إلى باتيل: “كم عدد الفلسطينيين والأميركيين الذين قتلوا وانتهكوا حقوقهم، الذي سيستغرقه الأمر قبل أن تعلن هذه الإدارة فعليا عن تغيير في السياسة؟”. ورد باتيل بالحديث عن جهود وقف إطلاق النار الفاشلة التي تبذلها الإدارة الأميركية.

إن مقتل هؤلاء المواطنين الأميركيين ينبغي أن يكون بمثابة جرس إنذار لكل الأميركيين: فإسرائيل قادرة على قتلكم وقتل أحبائكم، ولن تفعل حكومتكم شيئاً حيال ذلك. والواقع أن حكومتكم ستصر بشدة على أن الجاني قادر على التحقيق بنفسه. وفي الوقت نفسه، ستواصل تمويل إسرائيل بما يصل إلى مليارات الدولارات سنوياً، وتزويدها بالأسلحة والآلات اللازمة للحفاظ على احتلالها وتوسيعه، وتنفيذ إبادة جماعية مستمرة.

وسوف يعملون أيضًا على حماية إسرائيل بشكل فعال من المساءلة، داخل هياكلها الخاصة، وأمام المحاكم الدولية والأمم المتحدة.

إن محنة شيرين توضح بوضوح هذه الحصانة التي تضمنها الولايات المتحدة لإسرائيل. فلم تخجل السلطات الإسرائيلية ليس فقط من البصق على ذكرى شخص مثل شيرين من خلال حرمانها من العدالة، بل وأيضاً من ضرب حاملي النعش أثناء جنازتها. وفي العام الماضي، دمر جنود إسرائيليون النصب التذكاري الذي أقيم لتكريمها في جنين.

ما كان في هذا التابوت لم يكن جسد شيرين فقط، بل كل الشعارات الفارغة التي أطلقتها الحكومة الأميركية والتعازي عندما يسفك دماء فلسطيني أميركي أو أميركي يدافع عن فلسطينيين أبرياء.

ولكن في حين يحرص المسؤولون الأميركيون على حماية هذا الوضع الراهن المميت، هناك خطاب ناشئ في البلاد يفحصه ويتساءل عن السبب. لماذا يمارس بلينكن ووزارة الخارجية وإدارة تلو الأخرى سياسة استعراضية تتجاهل قدرة الولايات المتحدة على فرض القواعد وفرض العقوبات على إسرائيل، بينما تنزل بالمطرقة على الجهات الفاعلة الدولية الأخرى عن جرائم مماثلة؟ متى يصبح الحلفاء مكلفين للغاية؟

نعم، إن اللوبي الصهيوني يلعب دوراً خبيثاً في صياغة القبول الأميركي، ولكن الخطاب العام الحالي الذي حفزته إلى حد كبير الإبادة الجماعية في غزة ــ فضلاً عن قتل الأميركيين ــ سوف يعمل على تسريع الإجابات على هذه الأسئلة بمرور الوقت، وفي نهاية المطاف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

أختم هذه المقالة بطلب شخصي من كل من يقرأها: تحدثوا عن جرائم الحرب الإسرائيلية، والاحتلال، والمستوطنات غير الشرعية، والإبادة الجماعية في غزة مع أصدقائكم وأحبائكم. التغيير يبدأ بكلمة طيبة.

الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

شارك المقال
اترك تعليقك