تمثل حرب أكتوبر عام 1973 علامة بارزة في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث أظهرت الشجاعة والتضحية الرائعة للجنود المصريين. ومن الأبطال الذين لعبوا دورًا محوريًا في تشكيل قصة النصر شخصيات بارزة تألقت في ساحة المعركة وفي السينما والتلفزيون، مثل أحمد بدير، ولطفي لبيب، وفيصل خورشيد، وغيرهم.
لقد تجاوز هؤلاء الفنانون مجرد التعبير الفني؛ لقد كانوا جزءًا لا يتجزأ من هذا الحدث التاريخي الحاسم، إما كجنود قاتلوا على الخطوط الأمامية أو فنانين كان لأعمالهم صدى في تلك اللحظات الحاسمة. وسوف يستكشف هذا التقرير مساهماتهم وأدوارهم المؤثرة في تشكيل الذاكرة الوطنية، وكذلك كيف أثرت تجاربهم الشخصية الفن والثقافة المصرية في أعقاب الحرب.
الصراع مستمر
وفي بداية الحديث، تردد صوت الفنان أحمد فؤاد سليم بانفعال شديد. وهو من الذين شاركوا في حرب أكتوبر، حيث خدم في وحدة الدفاع الجوي ببورسعيد، المكلفة بمراقبة طائرات العدو الإسرائيلي من غرفة العمليات.
وأشار سليم إلى أن “انتصار أكتوبر، الذي شهدناه بشكل مباشر، يمثل دراما إنسانية أكثر من مجرد صراع بين الطائرات والدبابات ومختلف أنواع الأسلحة الخفيفة”.
وأوضح أنه واجه خلال خدمته العسكرية العديد من القصص التي يمكن تحويلها إلى سلسلة أعمال فنية عن حرب أكتوبر.
وأكد سليم على رواية معينة تخص رفيقه الشهيد سعيد أبو العباس، الذي انتهت خدمته مطلع عام 1973. وبعد زيارة قصيرة مع زوجته التي لم تكن قادرة على الإنجاب منذ زواجهما، عاد إلى وحدته ليُصبح قتل بعد ذلك بوقت قصير.
وبعد فترة وجيزة، جاء شقيق زوجته للاطمئنان عليه ونقل خبر حمل زوجته، وهو التطور الذي أعقب فترة طويلة من العقم. وأعرب فؤاد عن أنه عند سماعه هذا الخبر أدرك أن الله قد وهب هذا الحمل ليعزي الأرملة في خسارتها.
وأشار إلى أن هناك العديد من القصص التي سمعها، ولكن هذه القصة تبرز باعتبارها ذات أهمية خاصة، وتستحق أن يتم مشاركتها حتى يتمكن جيل الشباب من تقدير الروح المعنوية التي مكنت الجنود من تحقيق النصر.
وأضاف سليم: “سرد فؤاد قصة عمال المقاولون العرب الذين كانوا يعملون في بناء قواعد الصواريخ على الضفة قبل الحرب، مسلطاً الضوء على المخاطر الكبيرة التي واجهوها. ولاحظ أن المركبات التي يستخدمها هؤلاء العمال ممتلئة عن آخرها في الصباح الباكر قبل بدء مهامهم. وعند عودتهم اكتشف أن ما يقرب من نصف العمال قد استشهدوا.
ولم يتوقع أحد أن يقوم الشباب الذين يلعبون كرة القدم على الضفة أو الأطفال بمساعدة الوحدات العسكرية بنقل المعلومات حول تحركات العدو. لقد كشف هذا الصراع عن شخصية الشعب المصري الحقيقية؛ وخلال هذه الفترة لم ترد أي تقارير عن حالات سرقة أو نشل في مصر. أولئك الذين اعتبرناهم جبناء، أظهروا شجاعتهم، التي غالباً ما وجدت في الخطوط الأمامية في مواجهة العدو الإسرائيلي. ورداً على ذلك، أنتج العدو سلسلة من الأعمال الفنية الملفقة عن حرب أكتوبر في محاولة لزرع الشك لدى المصريين في انتصارهم. ومع ذلك انتصرنا، وعبرنا القناة، ورفعنا العلم المصري على أرضنا ليراها العالم. وهذا يؤكد أن الصراع بيننا وبينهم مستمر، فهم خصمنا إلى الأبد.
وتحدث أحمد فؤاد سليم عن الأعمال الفنية التي أثرت في الجنود أثناء الحرب، مسلطًا الضوء على فيلم “أغنية على الخندق” باعتباره أحد أهم تمثيلات هذا الصراع.
وأكد أن نجاحه في السينما والمسرح نابع من أصالته وواقعيته. وكان لأغاني عبد الحليم حافظ وصلاح جاهين والأبنودي دور حاسم في تحفيز الجنود؛ وبعد الاستماع إلى هذه الأغاني في الخنادق، شعروا بشعور متزايد بالعدوان تجاه العدو. وأعرب سليم عن امتنانه للقوات المسلحة المصرية لدعمها الثابت في إحياء ذكرى هذا النصر الضخم كل عام، والذي شهد تضحية العديد من الرجال المصريين المخلصين بحياتهم. وشدد على أهمية غرس روح الانتماء لدى جيل الشباب وتشجيعهم على تكريس جهودهم من أجل تنمية الوطن خلال هذه الفترة الحرجة التي تلوح فيها تحديات عديدة.
ومن الضروري تخليد النصر من خلال السينما العالمية.
وفي هذا السياق، روى الفنان أحمد بدير، الذي خدم كجندي في سلاح الشئون المعنوية خلال حرب أكتوبر 1973، تجاربه خلال هذا الصراع المحوري. وأشار إلى أنه تعاون خلال الحرب مع زملائه الفنانين محمود الجندي وأحمد عبد الوارث لإنتاج برنامج يهدف إلى تحفيز وطمأنة الجنود في المعركة.
وأكد بدير أن هذه الفترة كانت من أسعد لحظات حياته، خاصة بعد فترة طويلة من الهزيمة استمرت قرابة ست سنوات منذ نكسة يونيو 1967، والتي يشار إليها غالبًا باسم “النكسة”. وأكد أن الجيش المصري لم يُهزم حقًا، إذ لم يخوض معركة بل أُخذ على حين غرة.
ولكن بمجرد تنظيمهم بشكل فعال ووضعهم استراتيجية تظل موضوعًا للدراسة في الأكاديميات العسكرية في جميع أنحاء العالم باعتبارها واحدة من أعظم خطط الحرب الحديثة، أظهروا قدرات الجندي المصري. أظهر العبور الناجح لقناة السويس وتدمير خط بارليف أن الجندي المصري هو أفضل محارب على هذا الكوكب.
وشدد بدير على ضرورة تدخل الدولة في إنتاج العديد من الأعمال السينمائية المشابهة لفيلم “الممر” الذي يحيي ذكرى حرب أكتوبر المجيدة بميزانيات كبيرة تضاهي تلك المستخدمة في الأفلام الغربية التي صورت حروبهم.
ودعا إلى إشراك جميع النجوم المصريين البارزين في هذه المشاريع، مع ترجمتها إلى لغات متعددة للتوزيع العالمي. وهذا من شأنه أن يسمح للعالم أن يشهد كفاءة الجندي المصري، وقوة الجيش، وتألق قادته، وبالتالي يكون بمثابة رسالة قوية.
أعظم انتصار في التاريخ
ويؤكد الفنان فيصل خورشيد، الذي خدم مجندًا في إدارة الشئون المعنوية بالجيش المصري منذ عام 1967 وحتى انتهاء الحرب عام 1973، أن انتصار أكتوبر يعد الأهم والأعظم في التاريخ. وهذا الشعور يفهمه جيداً كل من شارك في المعركة أو شهدها، وكذلك من عاش سنوات الهزيمة والمرارة التي رافقتها. علاوة على ذلك، فقد اعترف حتى الخصوم والمنتقدون من مختلف البلدان بهذا النصر، والدليل على ذلك إدراجهم هذه الحرب في مناهجهم الأكاديمية، على الرغم من محاولاتهم تشويه سردها من خلال جهود فاشلة فشلت في التقليل من عظمة هذا الصراع وشجاعة الحرب. جنودها.
أعتقد أن هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر، والتي لها أهمية قصوى بالنسبة لمواطنيها، يجب أن تكون الأساس لخلق أعمال سينمائية قوية. تحتوي ملفات إدارة الشؤون الأخلاقية على العديد من المواضيع المناسبة لإنتاج الأفلام التي يمكن أن تلهم الوطنية وتغرس الشعور بالفخر الوطني في شبابنا. ومن شأن مثل هذه الأعمال أن تشجعهم على المساهمة في خدمة الوطن بكرامة وشرف، مما يعزز فكرة امتلاكهم لجيش هائل قادر على حماية إنجازات بلادهم، في الحاضر والمستقبل.
وأشار فيصل خورشيد إلى أنه قدم خلال خدمته العديد من المونولوجات الهادفة إلى رفع معنويات الجنود وغرس روح التضحية في صفوفهم. حتى الرئيس الراحل أنور السادات أبدى استمتاعه بنكتة أطلقها على موشيه ديان.
واختتم خورشيد تصريحاته بالإعراب عن الامتنان للمصريين الذين احتشدوا لإنقاذ الأمة من مكائد الخصوم محليًا ودوليًا، وهو مستوى من الالتزام لم يتم ملاحظته في أي دولة أخرى في العالم. وحثهم على مواصلة جهودهم ومساهماتهم في أدوارهم للارتقاء بمصر وإرساء مكانتها على الساحة العالمية.
لبيب يشكر الله
أعرب الفنان لطفي لبيب عن امتنانه لله على قدرة مصر على اجتياز الفخاخ المنصوبة لها محليًا ودوليًا خلال هذه الأوقات الصعبة.
وأكد أمله في أن يتجاوز الوطن بنجاح هذه المرحلة الحرجة من تاريخه، متحررا من تأثير الحاسدين والمستاءين. كما تحدث لبيب عن الانتصار الكبير الذي تحقق خلال حرب أكتوبر عام 1973.
واستذكر ذكريات رفاقه الذين ضحوا بحياتهم خلال الصراع، مسلطاً الضوء على جهودهم الجماعية التي أدت إلى الانتصار على قوات الاحتلال الإسرائيلي وتحرير سيناء.
وذكر لبيب خدمته في كتيبة 26 مشاة حيث شنوا هجوما على موقع محصن يسيطر عليه المحتلون برفقة ضابط يدعى سعيد البرعي وقائد الكتيبة عبد الوهاب الحديدي. وقد حصل كلاهما على وسام نجمة سيناء، وهو تكريم يُمنح لـ 27 فردًا فقط في الجيش المصري.
تغلبت العاطفة على لبيب وهو يتذكر أسماء زملائه الذين سقطوا، ومن بينهم سعيد عبد الرازق، الذي أصيب برصاصة قاتلة، وقال آخر كلماته: “واحد ياخد مكاني لو سمحت”. وأشار إلى أنه بينما انتهت الحرب رسميا في 6 أكتوبر 1973 بالنسبة للجيش الثالث الميداني، إلا أنها انتهت فعليا بتوقيع اتفاقية فض الاشتباك عند الكيلو 101.
وأكد لبيب أن 90% من زملائه الجنود في الخطوط الأمامية فقدوا أرواحهم، إلا أن ذكرياتهم لا تزال تتردد في ذهنه.