تعود العلاقات بين مصر والصومال إلى قرون مضت، حيث يعود تاريخ الروابط إلى العصور القديمة عندما أرسلت الملكة حتشبسوت حملتها الشهيرة إلى بلاد بونت، الواقعة في الصومال حاليًا، لإحضار البخور والخشب والعاج. وقد تطورت هذه الرابطة الطويلة الأمد على مر السنين، وتحولت إلى شراكة استراتيجية قوية في الوقت الحاضر.
واليوم، تتمتع الدولتان بعلاقات ثنائية قوية، تعززت بالاتفاقيات والتصريحات الأخيرة. وفي عرض مهم للتضامن، شهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود توقيع اتفاقية دفاع وبروتوكول تعاون عسكري في القاهرة. وخلال الزيارة، أكد الرئيس السيسي أيضًا دعم مصر لوحدة الصومال وسيادته، ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، التقى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري في القاهرة لبحث المجالات ذات الاهتمام المشترك وتعزيز العلاقات الثنائية. وأكد مدبولي التزام مصر بتقديم كل الدعم اللازم للصومال، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. وقال: “نحن مستعدون لتصدير أي سلع أو بضائع يحتاجها الصومال، وسنبذل قصارى جهدنا لتسهيل دخول هذه السلع والبضائع لتلبية احتياجات الشعب الصومالي”.
العلاقات بين مصر والصومال لها تاريخ طويل، يعود إلى حقبة ما قبل الاستقلال في الصومال. وقال المحلل السياسي الصومالي ومؤسس ومدير المعهد الأفروآسيوي للدراسات الاستراتيجية عبد الوهاب شيخ عبد الصمد لصحيفة ديلي نيوز إيجيبت.
وأضاف أن “المشاركة المصرية المتجددة في الصومال، بما في ذلك التعاون الأمني بسبب التهديدات الأمنية الوطنية المشتركة، تشير إلى الرغبة في استعادة قوتها السابقة. إن إحياء العلاقات هو امتداد طبيعي للعلاقات التاريخية ويمكن أن يعزز الاستقرار الإقليمي والنمو المتبادل”.
يعود تاريخ دعم مصر الثابت للصومال إلى طريق البلاد نحو الاستقلال. ففي عام 1946، بعد هزيمة نظام موسوليني في الحرب العالمية الثانية، بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشة مستقبل الصومال. وقررت في النهاية وضع البلاد تحت الوصاية الإيطالية في عام 1950، مع تشكيل مجلس استشاري يضم مصر وكولومبيا والفلبين. وكانت مهمة المجلس الإشراف على النظام الإداري في الصومال وضمان استقلاله بحلول عام 1960.
كان الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر ينظر إلى استقلال الصومال باعتباره عنصراً أساسياً في سياسته القومية الأفريقية، التي كانت تهدف إلى محاربة الاستعمار في العالمين العربي والآسيوي. وكان دافعه إلى ذلك تأمين المصالح الاستراتيجية لمصر في المنطقة وفتح التعاون الاقتصادي مع الدول الأفريقية. وكان التزامه بحركة عدم الانحياز دليلاً على هذه الأيديولوجية.
عمل ناصر بنشاط على دعم الحركة الوطنية الصومالية، وقدم المشورة السياسية وساعد الصوماليين في مواجهة الجهود الرامية إلى تأخير تسليم السلطة للقوميين. ولتعزيز دور مصر في المجلس الاستشاري، عينت الحكومة المصرية كمال الدين صلاح مندوباً. وكان هذا التعيين بمثابة نقطة تحول مهمة في تعامل مصر مع الصومال.
وقد قدم صلاح مذكرة إلى وزارة الخارجية المصرية يطالب فيها بإنشاء قنصلية مصرية في الصومال. وفي هذا الوقت كانت إيطاليا تبطئ عملية نقل السلطة إلى الصوماليين، مما يعوق قدرتهم على تشكيل إدارة وتمثيل برلماني. وأمر ناصر مندوبه بالتركيز على إعداد الصوماليين للاستقلال.
كما أرسل ناصر نحو 25 مدرساً مصرياً إلى الصومال، إلى جانب ثمانية مدرسين من الأزهر الشريف، وقبل 150 طالباً صومالياً للدراسة في مختلف المؤسسات المصرية دون أي رسوم. وكان ناصر يؤمن بقوة التعليم، ووعد بمساعدة الصوماليين في إنشاء مدارس ومؤسسات ثقافية ومراكز دينية جديدة تحت إشراف جامعة الأزهر الشريف.
تم إرسال العديد من البعثات العلمية إلى الصومال، حيث قام مبشر ثقافي مصري بزيارة المؤسسات الثقافية في مقديشو وهرجيسا، كما احتفلت وزارة التربية والتعليم المصرية بافتتاح أول مدرسة ثانوية في مقديشو، والتي تم إنشاؤها بمساعدة معلمين مصريين.
كما لعبت مصر دوراً حيوياً في دعم الجيش الصومالي الناشئ. فعندما سعت الصومال للحصول على الأسلحة لتجهيز قواتها، سافر رئيس وزرائها آنذاك عبد الرشيد الشرمكي إلى دول أوروبية لكنه فشل في تأمين أي صفقات أسلحة. ثم توقف في القاهرة حيث ناقش الأمر مع عبد الناصر. ووصف الشرمكي هذا الاجتماع فيما بعد بأنه نقطة تحول في تاريخ الصومال، حيث لم يكتف عبد الناصر بتزويد الصومال بالأسلحة، بل قرر أيضاً تقاسم الأسلحة المصرية مع الصومال.
وقد قدم ناصر للصومال أسلحة خفيفة لخمسة آلاف جندي، بالإضافة إلى سيارات مدرعة، وطائرتين لتشكيل الأساس للقوات الجوية الصومالية.
وبعد استقلال الصومال، استمر ناصر في دعمه للصومال، مع توسيع المساعدات العسكرية، حيث استمر في توريد الأسلحة إلى جمهورية الصومال التي تشكلت حديثًا.
واليوم، تواصل الدولتان التعاون في مختلف القطاعات، من الدفاع والأمن إلى التجارة والاستثمار. وتمثل هذه العلاقة الدائمة، التي تنبع من تاريخ مشترك من الاحترام المتبادل والدعم، شهادة على الروابط القوية بين مصر والصومال.