الإصلاحات التشريعية والتكنولوجية توسع نطاق الوصول إلى الأنشطة المالية غير المصرفية: رئيس هيئة الرقابة المالية

فريق التحرير

قال محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، إن تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية، إلى جانب التوسع في تطبيقات التكنولوجيا المالية، لعب دورًا محوريًا في توسيع قاعدة المستفيدين من الأنشطة المالية غير المصرفية، مع تمكين الشباب والنساء من المشاركة الفعالة في أسواق رأس المال وأنشطة التأمين والاستثمار.

وفي معرض حديثه في قمة أفضل 50 امرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والابتكار المستقبلي، قالت فريد إن الخدمة العامة تواجه تحديات متزايدة التعقيد بسبب تداخل المصالح والعدد المتزايد من أصحاب المصلحة. وأشار إلى أن هذا الواقع يتطلب جهدا متواصلا مدعوما بأطر مرجعية علمية ومهنية قوية. وشدد على أن التعليم المستمر والتفاعل مع التجارب الدولية، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة، أمران ضروريان لفهم الأسواق والتواصل بشكل فعال مع المستثمرين والمؤسسات العالمية باستخدام لغة مهنية مشتركة.

وأضاف فريد أن أي شخص يشارك في الخدمة العامة يجب أن يظهر الاجتهاد المستمر والالتزام بالتعلم مدى الحياة. وأوضح أنه اتبع شخصياً هذا النهج من خلال حصوله على أربع درجات ماجستير لتحديث معرفته بشكل مستمر والبقاء على اطلاع وثيق بالتطورات العالمية في القطاع المالي، وخاصة في الأسواق المتقدمة. وقال إن ذلك يتيح التواصل الفعال مع المستثمرين والمؤسسات الدولية بالمفاهيم التي يفهمونها، مؤكدا أن الأسس العلمية والمهنية الصلبة هي حجر الزاوية في العمل التنظيمي الفعال.

وأشار رئيس الهيئة إلى أن هناك فكرة خاطئة شائعة لدى بعض أفراد الجمهور مفادها أنهم يفهمون تماما طبيعة العمل الذي تقوم به المؤسسات العامة. ولكن في الواقع، فإن حجم التحديات التي تواجه السلطات العامة وتعقيدها يجعل من الضروري التعامل مع المواطنين، وشرح الإصلاحات الجاري تنفيذها، وتوضيح كيفية تأثير هذه الإصلاحات على حياتهم اليومية. وقال إن تحقيق هذا المستوى من المشاركة غير ممكن دون أسس أكاديمية قوية وخبرة مهنية متراكمة.

وأوضح فريد أن الهيئة العامة للرقابة المالية من أكثر الجهات العامة ارتباطا بحياة المواطنين اليومية، نظرا لإشرافها على القطاعات التي تؤثر بشكل مباشر على احتياجاتهم. وتشمل هذه التأمين الإلزامي والتكميلي على السيارات، والتأمين الخاص وصناديق التقاعد، وشركات وساطة التأمين، وشركات الخدمات الاكتوارية، وصناديق الاستثمار.

وفي هذا السياق، سلط فريد الضوء على تجربة الهيئة مع صناديق الاستثمار في الذهب، والتي تم إطلاقها عام 2023 من انطلاقة ثابتة. وخلال فترة قصيرة نسبيًا، نجحت هذه الصناديق في جذب استثمارات تتراوح بين 4 مليارات جنيه و5 مليارات جنيه من نحو 250 ألف مستثمر. بدأ العديد من المشاركين بمبالغ استثمارية صغيرة نسبياً، مما يعكس نجاح الهيئة في تحقيق أحد أهدافها الأساسية: تعزيز ديمقراطية الاستثمار وإتاحة فرص الاستثمار لجميع شرائح المجتمع.

واستشهد فريد بمقولة منسوبة لألبرت أينشتاين، مشيراً إلى أن إحدى المشاكل الكبرى في المجتمعات هي الاستمرار في فعل نفس الشيء مع توقع نتائج مختلفة. وأشار إلى حالة قطاع التأمين في مصر في عام 1999، عندما كانت أقساط التأمين تمثل أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي، أي حوالي 0.9%، مما يسلط الضوء على محدودية انتشار خدمات التأمين في ذلك الوقت.

وأضاف أن متوسط ​​معدلات انتشار التأمين يتراوح بين 5% و7% في الأسواق الناشئة، وبين 12% و15% في الاقتصادات المتقدمة. كما عانى قطاع التأمين في مصر في ذلك الوقت من نقص الخبراء الاكتواريين، وهم مهنة عالية التخصص، فضلاً عن صعوبات في الوصول إلى رأس المال البشري المؤهل.

وامتد التحدي المتمثل في رأس المال البشري إلى المناهج التعليمية لوسطاء التأمين. وأشار فريد إلى أن أقساط التأمين لم تشهد أي نمو تقريبًا لسنوات، مع بقاء القطاع راكدًا حتى توليه رئاسة الهيئة العامة للرقابة المالية في عام 2022.

وأكد أنه لم يعد مقبولاً الاستمرار في العمل بنفس النهج التقليدي الذي يقتصر على إصدار سلسلة من القرارات التنظيمية. وبدلاً من ذلك، تبنت السلطة مساراً مختلفاً جذرياً، يتمحور حول تحديث المناهج التعليمية والأطر المعلوماتية كبوابة أساسية لإصلاح حقيقي ومستدام.

وأوضح فريد أنه عند تقييم الأسواق، يجب على أي سلطة رقابية مالية أن تلتزم بهدفين غير قابلين للتفاوض. الأول هو الحفاظ على الاستقرار المالي، وهو ما وصفه بأنه المسؤولية الأساسية لأي جهة تنظيمية مالية. والثاني هو تطوير وتوسيع حجم السوق. وقال إن الإصلاحات التي تبنتها الهيئة العامة للرقابة المالية تهدف إلى إحداث تأثير ملموس على أنشطة التمويل وأسواق رأس المال وقطاع التأمين.

وقال فريد إن فهم خصائص الأجيال الجديدة، وخاصة الجيل Z وجيل ألفا، كان المحرك الرئيسي وراء هذه الإصلاحات. وأوضح أن هذه الأجيال لم تعد لديها الرغبة أو الصبر لإكمال الإجراءات التقليدية، مثل زيارة شركات الوساطة فعلياً لتوقيع العقود. ونتيجة لذلك، صدر القانون رقم 5 لسنة 2022 بتنظيم استخدام التكنولوجيا في الأنشطة المالية غير المصرفية، مما أحدث تأثيرًا شاملاً عبر المنتجات والأسواق.

وأشار فريد إلى أن التعديلات التي تم إدخالها في هذا الإطار سهلت بشكل كبير وصول الشباب إلى الاستثمار في سوق الأوراق المالية. في السابق، كان المتوسط ​​السنوي لعدد المستثمرين الجدد الذين حصلوا على رموز التداول يتراوح بين 25000 و29000. وقفز هذا الرقم إلى نحو 340 ألفاً في 2023، يليه 240 ألفاً في 2024، ليصل إلى 281 ألف مستثمر بحلول أكتوبر من العام الجاري. وأكد أن هذه القفزة النوعية كانت مدفوعة برقمنة إجراءات اعرف عميلك (KYC)، إلى جانب حزمة أوسع من إصلاحات السوق.

وبالانتقال إلى قطاع التأمين، سلط فريد الضوء على الفجوة الكبيرة في رأس المال التي استمرت لسنوات. وفي عام 2007، بلغ الحد الأدنى لمتطلبات رأس المال للبنوك 500 مليون جنيه، مقارنة بـ 60 مليون جنيه فقط لشركات التأمين. وبحلول عام 2020، ارتفعت متطلبات رأس مال البنوك إلى 5 مليارات جنيه، في حين ظل الحد الأدنى لرأس مال شركات التأمين دون تغيير عند 60 مليون جنيه.

ولمعالجة هذا الخلل عملت الهيئة على إصدار قانون التأمين الموحد الذي جمع أربعة قوانين منفصلة في إطار تشريعي واحد. وبعد مناقشات مستفيضة استمرت ما بين عامين وثلاثة أعوام، رفع القانون الحد الأدنى لمتطلبات رأس المال لشركات التأمين من 60 مليون جنيه إلى 750 مليون جنيه، مما يضمن إعادة الرسملة وتعزيز قدرة شركات التأمين على تحمل المخاطر وتمكين تطوير منتجات تأمين أكثر تقدمًا.

ونتيجة لهذه الإصلاحات، أشار فريد إلى أن ثلاث إلى أربع شركات تأمين بدأت في تقديم وثائق تأمين شاملة على المركبات الجديدة، مع إمكانية استكمال جميع الإجراءات رقميًا من المنزل.

وشدد على أن التأثير المشترك للإصلاحات التشريعية والتنظيمية والتكنولوجية أدى إلى ارتفاع الطلب على الوظائف التي أصبحت ذات أهمية بالغة من منظور إشرافي، وأبرزها التدقيق الداخلي والحوكمة والامتثال. وباعتبارها جهة تنظيمية، تشترط الهيئة العامة للرقابة المالية أن تكون هذه الوظائف موجودة داخل المؤسسات التي تشرف عليها، والتي يبلغ عددها حاليًا حوالي 3900 كيان.

وفي هذا السياق، أبرز فريد دور معهد الخدمات المالية التابع للهيئة العامة للرقابة المالية في تأهيل رأس المال البشري من خلال برامج التدريب المتخصصة. كما لفت الانتباه إلى تنظيم شركات إدارة الطرف الثالث (TPA) التي تدير برامج الرعاية الصحية ووضعها تحت الإشراف التنظيمي المباشر، مما يساهم في تنظيم السوق وحماية حقوق أصحاب المصلحة.

واختتم فريد كلمته بالتأكيد على أهمية تمكين المرأة والشباب، خاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، واصفا إياهم بأنهم ركيزة أساسية لبناء مستقبل مالي أكثر كفاءة ومرونة واستدامة.

شارك المقال
اترك تعليقك