يختتم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي غدا بعد 10 أيام من التألق السينمائي

فريق التحرير

يسدل الستار غدًا الجمعة على الدورة السادسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لتختتم عشرة أيام بدت فيها القاهرة كمدينتين في آن واحد: واحدة تتحرك في إيقاعها اليومي المألوف، وأخرى تتكشف داخلها، وتتلألأ أنوارها عبر دار الأوبرا، ومبنى الأرشيف، ومركز الإبداع، وكل قاعة استضافت العرض. لمدة 10 ليالٍ، تغير إيقاع المدينة، وأعيد تشكيله بحضور صانعي الأفلام والمنتجين والنجوم والنقاد والصحفيين والطلاب وحشود من عشاق السينما الذين حولوا كل قاعة إلى نافذة على عالم آخر.

منذ اللحظات الافتتاحية للمهرجان، كان من الواضح أن الحدث لا يهدف فقط إلى الاحتفال بالسينما، بل إلى التعامل مع أسئلة أوسع: كيف تتطور السينما؟ كيف يستقبل الجمهور الصور اليوم؟ وكيف سيشكل هذا الشكل الفني معالم المستقبل في عالم يتغير يوميا؟ لهذا السبب، لم يكن الجمهور مراقبًا سلبيًا، بل مشاركين في محادثة فنية أوسع. أصبحت كل مناقشة بعد العرض جزءًا من روح المهرجان، وكل تبادل في باحة دار الأوبرا أضاف عمقًا لما تم عرضه على الشاشة.

اكتسبت هذه الطبعة طابعًا مميزًا بفضل تنوع اختياراتها والحضور القوي لموجة جديدة من السينما العربية، وهي أفلام لم تعد تصل بحثًا عن التحقق، ولكنها تأتي وهي تعرف قيمتها، وتتنافس بثقة إلى جانب الأعمال العالمية الكبرى. كما شهد البرنامج عودة قوية للكلاسيكيات المستعادة وسلسلة من التكريم لشخصيات شكلت ذاكرة السينما المصرية والعربية.

في الصميم: حيث ينبض النبض التنافسي للمهرجان بأقوى ما يمكن

تقع المسابقات الرسمية في قلب هذه الطبعة النابضة بالحياة، وهي المركز المضطرب للمهرجان. إنها ليست مجرد قوائم أفلام، بل هي النقطة التي تتلاقى عندها جميع الخيوط الجمالية والموضوعية. تعمل المسابقات بمثابة بوصلة دقيقة، تقيس حالة السينما العالمية، وتتتبع التحولات الفنية، وتكشف عن اتجاهات جديدة في رواية القصص والإخراج والتصوير السينمائي.

اتخذت الأقسام التنافسية لهذا العام طابعًا مكثفًا بشكل غير عادي. لم يكن عدد الأفلام هو الذي أحدث الفارق، بل جودتها، التي خلقت تقاربًا فنيًا وثيقًا لدرجة أن المقارنة بينها أصبحت مهمة شاقة. وتحدث العديد من أعضاء لجنة التحكيم عن إعجابهم بتنوع وجهات النظر، واصفين هذه النسخة بأنها “سنة ذهبية” من حيث الجودة.

امتدت تلك الطاقة التنافسية إلى الجماهير أيضًا. جرت معظم العروض بكامل طاقتها، حيث اصطف المشاهدون قبل ساعات من فتح الأبواب. وهذا الحماس، في حد ذاته، هو شهادة على نجاح المهرجان، مما يؤكد من جديد أن الجمهور المصري لا يزال مخلصًا بشدة للسينما – ليس فقط كترفيه، ولكن كفن حي يثير الفكر والنقاش والعجب.

المسابقة الدولية: 14 فيلما في السباق على الهرم الذهبي

وفي قمة برامج المهرجان تقف المسابقة الدولية، أرقى عروضه. يتنافس هذا العام 14 فيلما على الهرم الذهبي، يحمل كل منها توقيع مخرج يقترب من السينما من وجهة نظر مميزة. بعض الأعمال تنبثق من تقاليد سينمائية راسخة؛ ويمثل البعض الآخر أصواتًا جديدة واثقة. بعضها متجذّر في تجربة معيشية مؤلمة؛ ويميل البعض الآخر نحو الخيال التأملي أو التجريب البصري الجريء.

يترأس لجنة التحكيم المخرج التركي الشهير نوري بيلجي جيلان، المعروف بالسينما التأملية والشعرية البصرية. وانضمت إليه المحررة الإيطالية سيمونا باجي. المخرج الصيني غوان هو؛ المخرجة المصرية نادين خان؛ الممثلة المصرية بسمة؛ والمخرجة التونسية ليلى بوزيد؛ والمخرج الروماني بوجدان موريسانو.

واجهت اللجنة مهمة صعبة للغاية. إن مقارنة فيلم مبني على بنية درامية صارمة مع فيلم آخر مدفوع باللغة السردية التجريبية ليس بالمهمة البسيطة. لاحظت اللجنة أن بعض الأيام كانت من بين الأيام الأكثر تحديًا في حياتهم المهنية في التحكيم بسبب التقارب في الجودة. وكان من بين الاختيارات أفلام تبحث في الهوية بفارق بسيط، وأخرى تستكشف طبقات النفس البشرية، وأخرى تقدم مفردات بصرية مبتكرة أو تعيد التفكير في أشكال سرد القصص التقليدية.

هذا النطاق الاستثنائي جعل من المسابقة الدولية ليس مجرد سباق على الجوائز، بل مساحة نادرة لقراءة مسارات السينما المعاصرة. وقد عززت العديد من العروض الشعور بأن صناعة الأفلام العالمية تتجه نحو قدر أكبر من الجرأة في إثارة أسئلة صعبة، ونحو استكشافات أكثر إلحاحا للحالة الإنسانية في عالم متزايد التعقيد. في الوقت نفسه، أعادت بعض الإدخالات إحياء الجماليات الكلاسيكية بأحاسيس حديثة، مؤكدة من جديد أن السينما لا تتخلى أبدًا عن جذورها، حتى مع تطور التقنيات.

يختتم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي غدا بعد 10 أيام من التألق السينمائي

عبر مشهد المهرجان: برامج الاكتشاف

ولم تقتصر طاقة المهرجان على المنافسة الرئيسية. خلقت الأقسام الأخرى معًا فسيفساء غنية من التعبير الفني.

وفي برنامج آفاق السينما العربية، التقطت الأفلام نبض المنطقة بتعقيداتها السياسية والاجتماعية والثقافية. قام بعض صانعي الأفلام الشباب بدمج الفيلم الوثائقي مع الخيال، بينما أعاد آخرون تصور الواقع من خلال الصور التي قاومت التقاليد.

كان أسبوع النقاد الدولي بمثابة منصة لاكتشاف الأصوات الناشئة، حيث يضم الأفلام الأولى والثانية لمخرجين يتنقلون بين مخاوفهم وطموحاتهم الإبداعية المبكرة. على الرغم من الميزانيات المتواضعة، قدمت العديد من هذه الأفلام أصالة مذهلة ولحظات ذات صدى عاطفي وبصري رائع.

قدم قسم الأفلام الوثائقية الطويلة أعمالاً تعمقت في الواقع المعاش، تاركة انطباعات عاطفية دائمة – خاصة فيما يتعلق بقضايا البيئة والهوية والنزوح والصراع البشري. لقد أثبت مرة أخرى أن السينما الوثائقية تطورت إلى ما هو أبعد من التقارير الصحفية إلى واحدة من أكثر الأشكال السينمائية إلحاحًا وابتكارًا.

ومن الجدير بالذكر أيضًا برامج الترميم، التي أعادت إحياء أفلام من الأرشيف المصري والعربي والعالمي. أتاحت هذه العروض للجمهور الأصغر سنًا فرصة تجربة الكلاسيكيات التي لم تكن متاحة لفترة طويلة على الشاشة الكبيرة. وشهدت القاعات المزدحمة مرة أخرى على سحر الذاكرة السينمائية الدائم.

يختتم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي غدا بعد 10 أيام من التألق السينمائي

مهرجان حي: حيث يلتقي السحر بالتبادل الحقيقي

يتطلع الجمهور دائمًا إلى السجادة الحمراء، حيث تتألق النجوم. لكن السجادة هذا العام كانت أكثر من مجرد مشهد، فقد أصبحت مساحة لتبادل الآراء السريعة والملاحظات الصريحة التي تعكس تقدير صناع الأفلام للمهرجان وارتباطهم به. وكان الحضور القوي للنجوم العرب – سواء كأعضاء لجنة تحكيم أو منافسين أو مشاركين في العروض الخاصة – لافتاً بشكل خاص.

وظهر النجوم المصريون أيضًا بقوة، ليس للاحتفال فحسب، بل بإحساس حقيقي بالمشاركة في مشهد سينمائي يسعى إلى التطور واستعادة مكانته العالمية. وشارك العديد منهم في محادثات عامة تناولت تحديات الصناعة، وظهور المنصات الرقمية، وتغير أذواق الجمهور.

خاتمة الغد تمثل البداية، وليست النهاية

عندما تخفت الأضواء غدًا ويتم الإعلان عن الفائزين، لن يمثل ذلك نهاية المهرجان، بل بداية رحلة أخرى. الأسئلة التي تثيرها هذه الأفلام ستظل قائمة. الوجوه الجديدة المكتشفة هذا العام ستعود بقوة أكبر؛ والمحادثات التي يتم الهمس بها خلف الكواليس سوف تتطور إلى مشاريع مستقبلية.

سوف يسدل الستار غدًا، لكن ما انكشف خلال هذه الأيام سيبقى. بالنسبة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لم يكن مجرد احتفال، بل مرآة تعكس سينما متجددة، وجمهورًا متعطشًا للفن، وصناعة تبحث عن مسار أوسع ومكان أعمق في عالم يتغير كل يوم.

شارك المقال
اترك تعليقك