السينما المصرية: تحليل التراجع ورسم المسار للأمام

فريق التحرير

على الرغم من الإنتاجات السينمائية العديدة والأعمال المتنوعة التي ظهرت منذ بداية عام 2024، بما في ذلك الأفلام ذات الميزانيات العالية مثل «الصرب» و«أولاد رزق 3» و«شكو» و«أهل الكهف» التي جذبت اهتمامًا كبيرًا. الملايين من المعجبين المخلصين للسينما المصرية محليًا ودوليًا، لا يزال الوضع العام لصناعة السينما لدينا يتضاءل بشكل كبير مقارنة بالعقود السابقة. في السنوات السابقة، أنتجت مصر باستمرار أكثر من مائة فيلم سنويًا، وكان الجمهور يستمتع بانتظام بالإصدارات الجديدة كل شهر. ساهمت هذه الصناعة بشكل كبير في إيرادات الدولة واحتلت مكانة بارزة بين القطاعات الأخرى. ولذلك، فإننا نبدأ مناقشة مع الخبراء في هذا المجال لاستكشاف الأسباب المختلفة وراء هذا التراجع، بهدف تقديم نظرة شاملة لصناع القرار من أجل إعادة الصناعة إلى مجدها السابق وحيويتها التي كانت تتمتع بها في العقود السابقة. سيتم تسليط الضوء على الأفكار التي شاركها هؤلاء الخبراء في الأقسام التالية.

مسألة مثيرة للقلق العميق

وأعرب المخرج عمر عبد العزيز عن مخاوفه بقوله: “لقد شعرت بالقلق منذ فترة طويلة بسبب التراجع السنوي للإنتاج السينمائي في مصر، وهو ما لا يليق على الإطلاق بمكانة مصر السينمائية. اتسمت السينما المصرية بغزارة إنتاجها منذ بدايتها قبل قرن تقريبًا، واستمرت بقوة حتى منتصف التسعينيات، حتى في أوقات الحرب. ظل الإنتاج وفيرًا خلال الحقبة التي سيطر عليها مصطلح “السينما التعاقدية”، والتي اكتسبت شعبية في الثمانينيات. لا أتفق مع الفكرة السائدة بأن الدراما التليفزيونية هي السبب الرئيسي لهذا التراجع، إذ من المفترض أنها طغت على السينما. وهذا اعتقاد خاطئ كبير لا يمكن قبوله كحقيقة. السينما، مثل العديد من أشكال الفن الأخرى، تأثرت بشكل كبير بوسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تقليص الإنتاج الإجمالي للفنون. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة يسهل الوصول إليها للكثيرين، مما دفع العديد من الأفراد إلى تفضيلها على حضور دور السينما لمشاهدة الأفلام والتفاعل مع العروض المسرحية المختلفة. علاوة على ذلك، فإن نجوم الأعمال السينمائية، الذين كانوا منتظرين في السابق، أصبحوا الآن متواجدين بشكل متكرر من خلال مسلسل موسمي واحد على الأقل كل عام، بالإضافة إلى البرامج التلفزيونية التي يشاركون فيها بشكل فعال.

إعادة النظر

وبحسب الكاتب مجدي صابر، تعد السينما المصرية ثاني أقدم صناعة سينمائية في العالم بعد فرنسا. ومن الجدير بالذكر أنه عندما أقام الأخوان لوميير عرضهما الأول في باريس عام 1895، تم عرضهما الثاني في الإسكندرية بعد بضعة أشهر فقط. مرت السينما المصرية بمراحل عديدة، تطورت من الأفلام الصامتة إلى الأفلام الصوتية. حدثت نقطة تحول مهمة تحت قيادة طلعت باشا حرب، الذي أنشأ استوديو مصر وعزز مهارات الفنانين المصريين من خلال توفير فرص تعليمية في أوروبا في مختلف مجالات الصناعة، بما في ذلك التمثيل والتصوير السينمائي وتصميم الديكور والإخراج. وبالتالي، منذ أوائل الثلاثينيات، بدأت السينما المصرية تخترق العالم العربي بأكمله. ومن ثم يمكن التأكيد على أن السينما والإعلام المصري عنصران حيويان في الثقافة المصرية، ويلعبان دورًا حاسمًا في نشر اللهجة المصرية في جميع أنحاء العالم العربي. على مر السنين، تطورت السينما المصرية عقدًا بعد عقد، وأنتجت رواياتها الخاصة، وابتعدت عن الاعتماد على القصص الأجنبية. وصلنا ذروة الإنتاج في الثمانينات، حيث أنتجنا 120 فيلما سنويا، وفخرنا بعدد كبير من دور العرض، حيث عرض مجموعة متميزة من الفنانين الأسطوريين، منهم فاتن حمامة، وكمال الشناوي، وعماد حمدي.

السينما المصرية: تحليل التراجع ورسم المسار للأمام

مع بداية الألفية الجديدة، حدث تحول كبير في المشهد السينمائي المصري. ظهرت عناصر مختلفة عطلت هذا المجال. ومن أبرز العوامل ظهور قرصنة الأفلام وما تبعها من انتشار لهذه الأعمال على منصات التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى إفلاس شركات الإنتاج وخروجها من السوق. ونتيجة لذلك، شهد إنتاج الأفلام انخفاضًا، حيث وصل إلى ستة أفلام فقط سنويًا. ومع ذلك، في عام 2010، انتعشت الصناعة، وأنتجت ما يقرب من ثلاثين فيلمًا سنويًا. رأى العديد من النقاد والمستثمرين في الفنون أن هذا يمثل تقدمًا كبيرًا.

هناك العديد من التعقيدات التي ناقشناها باستفاضة في ذلك الوقت في محاولة لإنقاذ هذه الصناعة المهمة ومواجهة تحدياتها. وأبرزها صعوبة الحصول على تصاريح التصوير في مختلف المواقع. بالإضافة إلى ذلك، فإن التكاليف المرتفعة المرتبطة بالتصوير في العديد من المجالات تضع ضغطًا كبيرًا على ميزانيات الإنتاج، مما يؤثر في النهاية على جودة المنتج النهائي. علاوة على ذلك، يجب ألا نغفل أزمة التوزيع الخارجي للأفلام المصرية على مدار العقدين الماضيين، والتي كانت عاملاً مهمًا في تقويض صناعة السينما المصرية.

لاستعادة القوة في صناعة السينما، من الضروري الالتزام بمبادئ معينة، وفي مقدمتها التركيز على رواية القصص السينمائية. يتضمن ذلك البحث عن كتاب سيناريو ابتعدوا عن الساحة، بعضهم بسبب الرحيل مثل وحيد حامد، وآخرون تراجعوا وهو على قيد الحياة، مثل بشير الديك ومحمد جلال عبد القوي. ويُعزى هذا التحول إلى حد كبير إلى ظهور جيل جديد من المنتجين الذين لا يعطون الأولوية لكتاب السيناريو أو المخرجين؛ بدلاً من ذلك، يبحثون عن مدير إنتاج لتنفيذ رغباتهم. ومن الأمثلة البارزة على ذلك المخرج القدير داود عبد السيد، الذي لم يصدر سوى ثلاثة أفلام خلال الـ 25 عامًا الماضية، على الرغم من مكانته الكبيرة في الصناعة. وبالمثل، توقف مخرجون مثل يسري نصر الله وخيري بشارة عن العمل، بينما واجه الراحل محمد خان تحديات كبيرة. وينبع هذا الوضع من عدم وجود استراتيجية إنتاج متماسكة. ونستذكر مؤسسة السينما التي تأسست في الستينيات، والتي أنتجت 120 فيلما خلال 13 عاما، من بينها بعض أهم الأعمال في السينما المصرية. في المقابل، غالبًا ما يقدم المنتجون المعاصرون مزيجًا من المطربين والراقصين المشهورين، ويصنفون مشاريعهم على أنها أفلام عطلات أو أفلام موسمية. وبالتالي، عندما نبحث عن فيلم يستحق تمثيل مصر في حفل توزيع جوائز الأوسكار، كثيرًا ما لا نجد مرشحًا مناسبًا. باختصار، هناك غياب ملحوظ للمنتجين الفنيين مثل رمسيس نجيب وآسيا ومحمد فوزي الذين فهموا مبادئ صناعة النجوم.

علاوة على ذلك، يتعين على الحكومة أن تعيد تقييم قطاع السينما، الذي كان يضم في السابق العديد من الاستوديوهات، ومرافق التحرير، ومدينة سينمائية نابضة بالحياة حيث يتنافس المخرجون ليكونوا أول من يدخلها. وفي الوقت الحالي، توقف الكثير من هذا، ولم يتبق سوى المنافسين الأجانب الذين يعطون الأولوية للمصالح الضارة بالصناعة، مثل إنتاج أفلام منخفضة الجودة لمنصات البث المباشر وتركيز جهودهم على الدراما التلفزيونية. لقد قوضت هذه الكيانات بالفعل سوق الموسيقى. من الضروري أن نعيد النظر في نهجنا بشكل عاجل ونبدأ في البحث عن نصوص عالية الجودة من كتاب محترمين ومحترفين لإنتاج أعمال مقنعة تجذب الجماهير. بالإضافة إلى ذلك، نحن بحاجة إلى إعادة تقييم التكاليف المرتبطة بالتصوير في المواقع المحلية، لأن هذا يمكن أن ينشط الإنتاج. على سبيل المثال، حقق المغرب 6 مليارات دولار لميزانيته الوطنية العام الماضي من إنتاج الأفلام الأجنبية على أراضيه.

خطة جديدة

قالت الناقدة دينا شرف الدين، إن هناك تراجعا ملحوظا في الإنتاج السينمائي في مصر خلال العامين الماضيين مقارنة بالأعوام السابقة. وهذا أمر ملفت للنظر بشكل خاص بالنظر إلى شغف الجمهور بالتجارب السينمائية في أعقاب جائحة كوفيد-19 والمراحل اللاحقة من الإغلاق، مما أدى في النهاية إلى إعادة الافتتاح التدريجي وتجديد الشعور بالثقة بين الجمهور. ودعا هذا الوضع إلى زيادة الأعمال السينمائية واستعداد أكبر من قبل الجهات الإنتاجية للانخراط في الصناعة، خاصة وأن العديد من المشاريع حققت إيرادات بمئات الملايين خلال العامين الماضيين.

دينا شرف الدين

ومع ذلك، فقد كان التركيز في المقام الأول على تقديم أعمال فنية عالية الجودة تعكس الجهود الكبيرة التي يبذلها جميع المشاركين في عملية الإنتاج. ويحدونا الأمل في إعادة هيكلة الوضع الحالي للسينما لتعزيز مستويات الإنتاج وتتوافق مع الطلب الكبير من الجمهور لدينا كأكبر دولة عربية، فضلا عن تقديرنا المتأصل للفنون. ومن الناحية الأكثر إيجابية، شهد قطاع الدراما التلفزيونية طفرة في الإنتاج، مع زيادة في عدد الأعمال التي يتم إنشاؤها. ولا يقتصر هذا الاتجاه على موسم رمضان، حيث يتم الآن إصدار مسلسلات جديدة على مدار العام، ونشهد باستمرار إنتاجات جديدة على منصات مختلفة. لولا أحداث العنف المحيطة بنا والتي أدت إلى سحب استثمارات كبيرة، لكان وضعنا أفضل بكثير.

شارك المقال
اترك تعليقك