في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وارتفاع أسعار الفائدة، يتجه العديد من المستثمرين إلى العقارات التجارية والإدارية باعتبارها استثمارًا مربحًا وآمنًا. توفر هذه العقارات مصدر دخل موثوق يمكنه تغطية النفقات اليومية وأقساط القروض، مما يجعلها الخيار المفضل في أوقات عدم الاستقرار المالي.
ويشهد الطلب على هذه الأنواع من العقارات ارتفاعاً كبيراً، مما يؤدي إلى ارتفاعات كبيرة في الأسعار تعكس جاذبيتها وقيمتها العالية. ويثبت الاستثمار في العقارات التجارية والإدارية أنه ليس استثماراً آمناً فحسب، بل إنه أيضاً فرصة متنامية تلبي احتياجات المستثمرين الباحثين عن الاستقرار المالي على المدى الطويل.
وبحسب البيانات التي تم استعراضها على منصة عقارماب، ارتفعت أسعار المتر المربع للعقارات التجارية في مصر بشكل ملحوظ خلال النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالعام السابق، ففي القاهرة الجديدة والتجمع الخامس تتراوح الأسعار حاليًا بين 200 ألف و500 ألف جنيه للمتر المربع في بعض المشاريع، خاصة في مشروع جولدن جيت التابع لشركة ريدكون العقارية في التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، بينما وصلت الأسعار في بعض المشاريع بالعاصمة الإدارية الجديدة إلى 350 ألف جنيه للمتر المربع، رغم أن المتوسط يتراوح بين 150 ألف و200 ألف جنيه للمتر المربع.
وفي عام 2023، كانت الأسعار أقل بكثير، مما يشير إلى زيادة تتراوح بين 20% و40%. ويعزى هذا الارتفاع إلى ارتفاع تكاليف البناء، وتحرير سعر الصرف، وزيادة أسعار الفائدة المصرفية، والطلب المتزايد على العقارات التجارية التي توفر عوائد شهرية متكررة للمستثمرين.
وفي الوقت نفسه، شهدت أسعار المتر الإداري في القاهرة الجديدة ارتفاعًا ملحوظًا، ففي التجمع الخامس على سبيل المثال وصل سعر المتر الإداري إلى ما بين 200 ألف و300 ألف جنيه، وتمثل هذه الأسعار ارتفاعًا كبيرًا مقارنة بالعام الماضي، حيث تراوحت أسعار المتر الإداري في عام 2023 بين 150 ألف جنيه و200 ألف جنيه، كما تفوقت مدينة الشيخ زايد الجديدة على مدينة الشيخ زايد في أسعار المتر الإداري، مسجلة أكثر من 200 ألف جنيه للمتر الإداري. وفي العاصمة الإدارية الجديدة لا يتجاوز سعر المتر الإداري 200 ألف جنيه، خاصة في برج أيكونيك والأبراج الأخرى المجاورة، حيث تراوحت الأسعار بين 175 ألف جنيه و205 آلاف جنيه للمتر، بحسب أحمد عبد الفتاح، مدير تطوير الأعمال بمنصة عقار ماب.
وبحسب شركة Mordor Intelligence، من المتوقع أن يبلغ حجم سوق العقارات التجارية في مصر نحو 9.41 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 15.29 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10.19% خلال الفترة المتوقعة (2024-2029). ويتركز الطلب على المساحات المكتبية بشكل أساسي في شرق وغرب القاهرة.
وأوضح عبد الفتاح أن أسعار العقارات التجارية في بعض المحافظات خارج القاهرة الكبرى شهدت ارتفاعا ملحوظا متجاوزة أسعار العقارات الإدارية، وفي مقدمتها الإسكندرية حيث وصل سعر المتر التجاري إلى 576.923 جنيها على أحد الشوارع الرئيسية لمساحة 65 مترا مربعا بإجمالي 37.5 مليون جنيه، في حين بلغ سعر المتر التجاري في مول داخل مشروع سكني بالإسكندرية نحو 473.684 جنيها، وفي المقابل لا تتجاوز أسعار العقارات الإدارية بالإسكندرية 150 ألف جنيه للمتر، وبعد الإسكندرية تأتي أسيوط حيث تجاوز سعر المتر التجاري في بعض المناطق 300 ألف جنيه خاصة في وسط المدينة، وفي المنصورة تجاوز سعر المتر التجاري 200 ألف جنيه.
وأشار عبد الفتاح إلى أن ارتفاع أسعار العقارات التجارية يرجع إلى محدودية العرض مقارنة بالطلب، مشيرا إلى أن العقارات المتاحة عالية الجودة محدودة للغاية لأنها تحتاج إلى مرافق بمعايير جودة عالية جدا، ما يزيد من تكاليف تنفيذها، فضلا عن أن أسعار العقارات التجارية والإدارية داخل المولات ومراكز التسوق تميل إلى الارتفاع عن تلك الموجودة داخل المجتمعات المغلقة أو المجمعات أو خارجها.
وأضاف أن أسعار الوحدات التجارية والإدارية أعلى من الوحدات السكنية، لأن هذه العقارات تقع في مراكز أعمال ومناطق تجارية حيوية، ما يزيد من قيمتها، كما تتطلب مرافق وخدمات إضافية مثل الأمن والصيانة ومواقف السيارات والمرافق الفنية التي لا تتوفر بالضرورة في الوحدات السكنية.
من جانبه، أكد أيمن سامي مدير مكتب جيه إل إل في مصر، أن أسعار العقارات الإدارية ارتفعت نتيجة زيادة الطلب على المكاتب في الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بالعام الماضي، خاصة المساحات الأكبر التي تتراوح بين 2000 إلى 5000 متر مربع.
وأشار سامي إلى أن الطلب على العقارات الإدارية من الفئة الأولى عالية الجودة ارتفع بشكل ملحوظ، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها مقارنة بالعام الماضي بسبب قلة المعروض، موضحاً أن منطقة التجمع الخامس تتميز بأعلى الأسعار بسبب زيادة الطلب من الشركات التي تتطلع إلى التوسع أو نقل عملياتها إلى شرق القاهرة.
وأشار سامي إلى أنه على الرغم من ارتفاع الطلب على العقارات الإدارية، إلا أن أسعار الإيجارات انخفضت بنسبة 6% على أساس سنوي، وذكر أن نسبة الشواغر للعقارات الإدارية المتاحة للإيجار أو البيع تبلغ 10%.
يرى أحمد عبدالله نائب رئيس مجلس إدارة شركة ريدكون العقارية أن الاستثمار في العقارات التجارية والإدارية يعد خياراً جذاباً للعديد من المستثمرين العقاريين لعدة أسباب، أهمها أن العائد الاستثماري للعقارات التجارية والإدارية أعلى من عائد الاستثمار في أنواع العقارات الأخرى، فضلاً عن ارتفاع قيمة الأصول بمرور الوقت مقارنة بالعقارات السكنية على سبيل المثال، فضلاً عن ارتفاع أسعار العقارات الإدارية والتجارية بشكل كبير، حيث وصلت إلى 200% مقارنة بأسعار الربع الأول من عام 2022.
وأضاف عبد الله أن أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار العقارات التجارية والإدارية في شرق القاهرة مؤخرًا هو العوامل الاقتصادية التي بدأت تظهر في النصف الثاني من عام 2022 واستمرت طوال عام 2023، وشملت هذه العوامل تغيرات سعر الصرف والانخفاض الحاد في قيمة الجنيه المصري، فضلاً عن النقص الكبير في العملات الأجنبية خلال تلك الفترة، مما أدى إلى توقف استيراد مواد البناء، مما أدى بالتالي إلى ارتفاع كبير في تكلفة مواد البناء، إلى جانب نقص مواد البناء المستوردة.
وخلص إلى أن معدل التضخم العام في مصر، الذي بلغ ذروته عند أكثر من 40% بنهاية عام 2023، دفع المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال إلى التوسع في مشترياتهم من العقارات كتحوط ضد التضخم، وقد أدت هذه العوامل، بما في ذلك ارتفاع تكلفة البناء والطلب المرتفع على العقارات التجارية والإدارية، إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار هذه الأنواع من العقارات.