القرن الأفريقي يغلي: التضامن بين مصر والصومال يتصدى لطموحات إثيوبيا في البحر الأحمر

فريق التحرير

القرن الأفريقي يغلي مرة أخرى بالتوتر. وفي مركز الزلزال تكمن اتفاقية ميناء متنازع عليها، وتطلع دولة غير ساحلية إلى الوصول إلى البحر، والتضامن الذي لا يتزعزع بين مصر والصومال. ويهدد هذا المزيج المعقد بالانتشار، مما قد يؤدي إلى غمر المنطقة في دوامة من الصراع السياسي والعسكري.

موقف مصر الثابت: درع للسيادة الصومالية

يتردد صدى موقف القاهرة القوي ضد اتفاقية الميناء بين إثيوبيا وأرض الصومال في جميع أنحاء المنطقة. إن إدانة الرئيس عبد الفتاح السيسي القاطعة للصفقة، واعتبارها “غير مقبولة”، هي رسالة دعم قوية لسلامة أراضي الصومال. وهذا التضامن، الذي تعزز خلال المؤتمر الصحفي المشترك الأخير مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، يخدم كدرع ضد طموحات إثيوبيا في البحر الأحمر.

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأحد، وقوف مصر مع الصومال ضد أي تهديد لأمنها واستقرارها.

وقال السيسي في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة: “مصر تدعم الصومال وتحترم سيادته وسلامة أراضيه”، مضيفا أن الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا غير مقبول بالنسبة لمصر والصومال.

ويمثل هذا التضامن الجديد بين القاهرة ومقديشو جبهة موحدة ضد الطموحات الإثيوبية في المنطقة. ومصر، القوة الإقليمية التي تتمتع بقدرات عسكرية كبيرة، تعمل بمثابة رادع قوي ضد أي عدوان إثيوبي محتمل.

رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد ورئيس أرض الصومال موسى بيهي عند توقيع الاتفاق في 1 يناير 2024، مما أثار غضب الصومال.  تصوير: تيكسا نيجيري - رويترز

مسعى إثيوبيا للوصول إلى البحر: شرارة تشعل التوترات الإقليمية

وأدى إعلان رئيس الوزراء أبي أحمد في أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي يطالب بالوصول البحري من خلال الوسائل الدبلوماسية أو حتى القوة، إلى إحداث هزات في جميع أنحاء المنطقة.

آبي أحمد، الذي تم الإشادة به ذات يوم باعتباره الحائز على جائزة نوبل للسلام لجهوده في إنهاء الصراع المستمر منذ عقود مع إريتريا المجاورة، يجد نفسه الآن متورطا في معركة من نوع مختلف ــ معركة الوصول إلى البحر الأحمر. وكانت تصريحاته الأخيرة، التي استشهدت بمطالبة محارب من القرن التاسع عشر بالبحر الأحمر باعتباره “الحدود الطبيعية” لإثيوبيا، سبباً في إرسال موجات من الإنذار عبر القرن الأفريقي، الأمر الذي أثار المخاوف بشأن صراع إقليمي محتمل.

وقد أدى استحضاره للمطالبة الإثيوبية التاريخية بالبحر الأحمر إلى صب الوقود على النار، مما أثار المخاوف من نشوب صراع محتمل. إن اتفاقية الميناء المثيرة للجدل مع أرض الصومال، والتي منحت إثيوبيا حق الوصول إلى ميناء بربرة، اعتبرها الكثيرون خطوة أولى نحو تحقيق هذا الطموح، وإن كان ذلك على حساب السيادة الصومالية.

الانتقام السريع في الصومال: الدفاع عن السلامة الإقليمية

وكان إلغاء مقديشو السريع للاتفاق، ووصفه بأنه “مذكرة تفاهم غير قانونية”، دليلاً على التزامها الثابت بالحفاظ على سلامة أراضيها. وقد لقي الإجراء الحاسم الذي اتخذه الرئيس محمود إدانة واسعة النطاق داخل الصومال وخارجه، مما سلط الضوء على هشاشة المشهد الجيوسياسي في المنطقة.

وزار الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إريتريا في أوائل يناير/كانون الثاني، سعيا إلى تعزيز العلاقات وتعزيز التعاون وسط تصاعد التوترات في القرن الأفريقي. وتأتي الزيارة في أعقاب اتفاق مثير للجدل بين إثيوبيا وأرض الصومال، يمنح إثيوبيا الوصول إلى البحر الأحمر عبر ميناء بربرة.

أعضاء من ميليشيا الأمهرة يتجمعون في قرية عدي أركاي، شمال شرق جوندار، إثيوبيا، في 14 يوليو 2021. إدواردو سوتيراس / وكالة الصحافة الفرنسية عبر صور غيتي

الاضطرابات الداخلية في إثيوبيا: عامل معقد

وتواجه إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، أزمة متصاعدة حيث يسعى آبي أحمد إلى صياغة رواية موحدة جديدة في أعقاب المبادرات السياسية الفاشلة وتصاعد التوترات الإقليمية.

وقد باءت حملة “ميدمير” التي أطلقها آبي أحمد في عام 2018 بهدف تعزيز الوحدة الوطنية بعد عقود من الصراع العرقي، بالفشل. والآن، وسط مناخ من العنف السياسي والجوع وتفاقم التوترات الدينية، يبدو أن رئيس الوزراء يتجه نحو خطاب قومي قوي.

يأتي ذلك في الوقت الذي تسود فيه المخاوف منطقة أمهرة، ثاني أكبر ولايات إثيوبيا. وفي أغسطس 2023، اندلعت اشتباكات بين القوات الفيدرالية وقوات أمهرة التي تقاوم أوامر نزع السلاح، مما دفع الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ ووضع المنطقة تحت السيطرة العسكرية.

وأثارت أزمة أمهرة مخاوف من صراع أوسع نطاقا، نظرا لقربها من منطقة تيغراي التي مزقتها الحرب، مركز الحرب الأهلية الوحشية في إثيوبيا والتي انتهت قبل عام واحد فقط. وقد تركت الحرب، التي اتسمت بالصبغة العرقية والمجازر والنزوح الجماعي، ندوبًا عميقة على الأمة.

يشير المقال إلى أن “عمليات التهجير القسري والمجازر التي تستهدف عرقية الأمهرة استمرت تحت إشراف رئيس الوزراء أبي أحمد منذ عام 2018″، مما يسلط الضوء على الديناميكيات العرقية غير المستقرة.

ومما زاد من تفاقم التحديات، أن إثيوبيا في عام 2019 حققت تميزًا مريبًا بتصدر القائمة العالمية للبلدان التي لديها نازحون داخليًا، متجاوزة حتى الدول التي مزقتها الحرب مثل سوريا واليمن وأفغانستان.

وتظل حرب تيغراي في حد ذاتها جرحًا نازفًا. بدأ الصراع في نوفمبر 2020، واستمر لمدة عامين، وترك بصماته من خلال جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية المزعومة. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف مليون مدني لقوا حتفهم، في حين عصف الاغتصاب والنزوح والمجاعة بالمنطقة. ولا تزال تيغراي تحت حصار فعلي، معزولة عن الاتصالات البرية والجوية الحيوية، وطرق الاتصال، والخدمات المصرفية، والإمدادات الإنسانية.

المضي قدمًا: رقصة الدبلوماسية الدقيقة

أثار الخطاب القومي الأخير لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أجراس الإنذار داخل البلاد وفي جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي الأوسع. ويحذر المنتقدون من أن لغته الجريئة، التي تهدف إلى حشد الدعم المحلي، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية مذهلة، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات، وتصاعد الصراعات، والمزيد من الضغوط على اقتصاد إثيوبيا الهش بالفعل وجيشها.

ووضعت تصريحات أبي إريتريا المجاورة في حالة تأهب قصوى، مع تقارير عن تحركات للقوات بالقرب من الحدود المشتركة. ويأتي ذلك على خلفية الخلاف السياسي المستمر داخل إثيوبيا نفسها.

إن الإبحار عبر الشبكة المعقدة من التوترات الإقليمية يتطلب رقصة دقيقة من الدبلوماسية. إن دعم مصر القوي للصومال يقدم نقطة مضادة لموقف إثيوبيا الحازم، لكن إيجاد حل سلمي يتوقف على معالجة القضايا الداخلية وبناء الثقة المتبادلة. ويتعين على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً بناء في تيسير الحوار وتشجيع وقف التصعيد قبل أن يغرق القرن الأفريقي في المزيد من الاضطرابات.

لا يزال مستقبل القرن الأفريقي غامضا. فهل تنتصر الدبلوماسية أم أن المنطقة ستستسلم لقوى الصراع؟ الوقت وحده كفيل بإثبات ذلك، ولكن هناك شيء واحد واضح: دعم مصر الثابت للصومال، والصراعات الداخلية في إثيوبيا، والإرث المؤلم لحرب تيغراي، كلها أجزاء حاسمة من اللغز الذي سيحدد مصير هذه المنطقة المضطربة.

شارك المقال
اترك تعليقك